المادة    
كيف سيكون مستقبل الإسلام في ظل هذه الأوضاع! وكيف يقاوم هذا الخطر؟! وما الحل؟!
الحل سهل وهو بأيدينا نحن، فنحن ورثة الكتاب الهادي بأيدينا: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)) [فاطر:32] ومعنا الرسول الهادي صلوات الله وسلامه عليه، نقرأ كلامه كأنه قاله اليوم، وكأن جبريل ما نزل بهذا القرآن إلا البارحة، فكله بين أيدينا نحن أمة الهداية والخير وأمة النصر، مهما كثر أعداؤنا فالحل بأيدينا، وهو في أن نتقي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كما قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) [آل عمران:102] إذا اتقينا الله حفظنا الله تعالى من كل سوء، لكن إذا لم نتقِ الله وسايرنا الشرق والغرب في شهواتهم، سلطهم الله تبارك وتعالى علينا، قال تعالى: ((وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)) [آل عمران:120] مهما كادوا: ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)) [الطلاق:2-3] وبالتقوى ننتصر على أكثر وأكبر الأعداد -بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ويذلهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويرفعنا الله عز وجل درجات عالية، فننظر إلى هذا العالم مهما اجتمعت قواه وكأنه حشرات، إذا اتقينا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعظمناه، وعرفنا قوته، هانت قوة الشرق أو الغرب مهما بلغت ومهما تعاونوا علينا، وقد تعاونوا علينا في كل مرحلة من مراحل التاريخ.
ومن الحل أن يكون المسلمون أمة واحدة كما في الآيات: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)) [آل عمران:103].
وبهذه المناسبة أقول:
سمعت كثيراً من الدعاة وخاصة من يأتي من خارج المملكة، يقولون: الحل الخلافة الإسلامية، وهذا شيء جميل ولا شك، فالحل أن تقوم الخلافة، ولكن أوروبا والشرق والغرب يخطون خطوات عملية، فهذه السنة تنظم الجمارك، والسنة الآتية السوق المشتركة تكون أكثر، والسنة التي بعدها يتحد البرلمان، حتى يتوحدوا، ونحن نعيش في الخيالات، ونردد الحل إعادة الخلافة!
وهل سينزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خليفة من السماء؟!
لن ينزل من السماء إلا عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان، ولن ننتظر حتى ينزل بل سنجتهد فإن نزل فينا فالحمد لله.
يجب أن نجتهد نحن، لكن لن يأتي خليفة، وإذا جاء فأين سيعيش هذا المسكين؟ وفي أي بلد سيعيش؟ بل إنه في أكثر دول العالم العربي والإسلامي سيعدم لو علم أنه هذا خليفة المسلمين، فهي خيالات لا ندعها تذهب بنا بعيداً، وبعضهم حدثني في هذا، فقلت: تتمنون الخلافة والخليفة ولا شك أن هذا حلم، ولا شك أنه إذا تحقق سنفتح العالم لكن أولاً ضعوا لنا حلولاً واقعية تؤدي إلى ذلك.
إن واقع الأمة الآن هو مثل إنسان مراهق مشلول مكسر، يهجم عليه اللصوص والمجرمون من كل جهة، يسأل: ما الحل؟ فيقول: أن يكون عندي ولد يحميني، وهو مفتول العضلات قوي الذراعين، ويدعو الله أن يرزقه ولداً، وهو غير متزوج وليس عنده قوة على ذلك، ونقول دائماً: ادعوا الله أن يرزق المسلمين بخليفة، فكما أنه لن يأتي الولد إلا بزوجة وبقوة وبنشاط وبتربية، فكذلك الخليفة يمكن أن يوجد لكن بعد أن توجد الأمة.
  1. إزالة أسباب الفرقة

    أقول: إذا كان الحل هو في قوله تعالى: (( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ))[آل عمران:103] فهل توحدنا نحن الدعاة الآن حتى يأتي خليفة يلم ألف مليون من الغثاء؟
    أليس داعي الوحدة موجوداً بيننا وهو كتاب الله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)؟!
    حبل الله: كتابه ودينه وصراطه المستقيم، فلمَ لا تتوحد جهود الدعاة في كل مكان على الكتاب والسنة؟!
    يجب علينا أن نزيل كل أسباب الفرقة، ومنهج الكتاب والسنة أوضح وأجلى وأوسع المناهج، فهو يحتمل تعدد الاجتهادات وتعدد الأحوال والبيئات، ففي بلد تكون الدعوة جهاداً بالسيف، وفي بلد تكون جهاداً بالدعوة، وفي بلد يكون أفراداً، يسع هذا المنهج كل شيء، ولا يسعه منهج آخر، ولن يجمعنا زعيم أو متبوع غير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولن يجمعنا تاريخ غير تاريخنا الإسلامي وتاريخ خلفائنا الراشدين، فلنتوحد نحن الدعاة.
    أما ما دام فينا دعاة للـعصرانية والعقلانية، ودعاة للمقاعد النيابية والحريات السياسية، ودعاة للبدعة، ودعاة للتصوف، ودعاة للتقارب مع الرافضة، والكل يقولون: دعاة، والكل يقولون: يجب أن تقوم الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية، فلن نتوحد ولن نعمل شيئاً.
  2. توحيد قلوب الشباب

    ومن الحلول -ويجب أن تكون عملية وسريعة وتدخل في برنامج كل داعية منا- توحيد قلوب هؤلاء الشباب، وإزالة كل ما يثير الفرقة والخلاف أو ما يجعل الفرقة والخلاف تدب بينهم، وأن يجتمعوا على الأصول والأهداف العليا والمواجهة، وكل بحسبه، وفي موقعة، وكل بما يتناسب مع بيئته، ومع ما أعطاه الله تبارك وتعالى من المواهب، وبذلك نستطيع -إن شاء الله- أن نقاوم ونغير صورة هذا المستقبل الذي يهددنا إن ظللنا نعيش في حالتنا هذه.
  3. التقوى والضراعة إلى الله

    وأكرر وأقول: إنه لا بد لهذا الشباب من زيادة التقوى وتقوية الصلة بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأن الله تعالى يقول: ((وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)) [المؤمنون:76]، ويقول: ((فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ)) [الأنعام:43].
    وليس لدينا الآن حل إلا قوة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولهذا يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة} وهذه الشرور المقبلة لا بد لنا فيها من قول ذلك في كل مكان، وفي الدنيا والآخرة، وفي كل أزمة ومواجهة.
    تقول زينب بنت جحش رضي الله عنها كما روى ذلك الإمام أحمد والبخاري ومسلم رحمهم الله: {قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم من نومه وهو محمر الوجه، فقال: لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بيده}. هذه الأخطار القادمة يستكشفها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما أوحى الله إليه ويحذر الأمة منها، ونحن نرى الشر الآن وكأنه قد وقع في ظل القوى العالمية المتكتلة ضدنا، فكيف نقاومه؟!
    في كل عداوة وفي كل موقف يجب أن يكون لدينا تقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والضراعة إليه، وإذا كان فينا عباد صالحون فدعوة من أحدهم في جوف الليل تهدم صواريخ أمريكا وروسيا بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا نقول ذلك متخلين عن الجانب المادي أبداً، بل نقول: لدينا جانب لا يوجد لديهم، أما الجانب المادي فقد قال ربنا تبارك وتعالى: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)) [الأنفال:60] فنبذل ما استطعنا، لكن الجانب الذي نملكه ولا يملكونه هو تقوى الله، وهو الدعاء والتضرع إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
  4. إشراك جميع الناس في المعركة

    هذه المعركة معركة كل فرد مسلم، وليست معركة الدعاة فقط، فهل استفدنا نحن من إخواننا أو آبائنا أو من الذين نسميهم العامة؟! هل أحسسناهم بهذه المعركة؟! هل أشعرناهم بخطرها وطلبنا من كل منهم أن يُمَّد الدعوة بأي شيء ولو بالدعاء؟!
    الذي لا يملك شيئاً فليدعو الله للدعاة، وللمجاهدين، وللعلماء العاملين، فهذا من الأسلحة الغائبة عن الشرق والغرب، ونحن كما يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم} سبحان الله! بضعفائنا ننتصر؟! ولكننا لا نحسب لهم حساباً، ونظن أن الاتفاقيات الدولية، أو أن الانحياز إلى أحد المعسكرات يجعلنا نبقى في سلامة من هذا الاجتياح الخطير.
    نقول: لا! المواجهة في المرحلة القادمة هي تيار كاسح مدمر يأكل الأخضر واليابس، وكما قيل: ليست معركتنا في هذه المرحلة معركة منتصر أو منهزم، ولكن المعركة معركة وجود أو عدم وجود! لو تسلط علينا هذا الاستعمار ببثه المباشر وبغزوه الثقافي وبسيطرته الثقافية لمدة عقدين أو ثلاثة عقود، فربما امتسخنا مسخاً كاملاً، حتى لا يبقى لنا أي وجود أصلاً، ونعوذ بالله من ذلك! لكن إن قمنا وواجهنا ذلك معتصمين بحبل الله، ومنتهجين منهج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة والجهاد والعمل، فسوف يكون إنقاذ الإنسانية على أيدينا -بإذن الله- وليس فقط إنقاذ أنفسنا وها هي المناطق الساخنة كما تسمى الآن أفغانستان ولبنان وفلسطين وأرتيريا والفلبين، وكل المناطق التي فيها جهاد أو نشاط إسلامي إلى حد ما، هذه المناطق دليل على ذلك، ورعب الشرق والغرب مما يقع ويدور في هذه البلاد دليل على أن المستقبل مفتاحه بأيدينا، وأنه قريب جداً من هذه المناطق، ونحن نقول: -حسبما يدور هذه الأيام- لا نستبعد أن تقوم دولة إسرائيل بأي عمل عسكري في المنطقة، وقد يكون عملها مفتاح الخير في المنطقة؛ لأننا نعيش في غفلة، ولا بد أن نؤدب حتى نستيقظ، وهذه الأمة لا تستيقظ إلا بضربة، فما انتشرت الدعوة الإسلامية ولا قامت إلا بعد هزيمة (1387هـ - 1967م) ولعل فيما يحدث إيقاظاً لنا.
    الخلاصة: نقول: الخطر أكثر وأكبر من أن نستوعبه في محاضرة أو محاضرات، وهذه حقيقة يجب أن تعلموها، والحل بأيدينا نحن ألا نتواكل، وألا نقول: الدعاة..! العلماء..! المفكرون..!
    إن القضية قضية كل فرد منا، وهذه القضية تهدد كل بيت وكل فرد في هذه المرحلة التي نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يصرف عن المسلمين شرها بعودة صادقة إلى الله.
    كما أن العودة الصادقة إلى الله تتضمن في أول ما تتضمن: التزود من التقوى والصبر... والاستعانة بالصبر والصلاة، لا سيما الدعاة الصادقون المؤمنون الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، والذين تجتمع حولهم هذه الأمة بإذن الله، فيكون بذلك النصر الذي وعد الله تبارك وتعالى: ((إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)) [غافر:51]، ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)) [الأنبياء:105].
    وهذا بفضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.